رقية بن كريمة.. الورقلية التي أدخلت فنون التصميم العصري إلى صناعة السعف
عصرنة صناعة سعف النخيل و إضفاء صبغة معاصرة تواكب متطلبات الحياة اليومية في الحاضر و المستقبل، ذلك هو التحدي الذي نجحت الحرفية رقية بن كريمة فيه في ظرف قياسي لم يتجاوز اثني عشرة سنة. القصد منه منافسة ودحر الطغيان الشرس للمواد المصنعة التي لا تمت للطبيعة المحلية بصلة. من الخياطة الجاهزة التي امتهنتها بنتا عن أم الى تمثيل ورقلة في بلاطوهات و صالونات الحرف التقليدية و الطبخ و العادات و التقاليد، إلى ولوج باب الجامعة في شعبة العلوم الانسانية بعد رحلة طويلة مع الأمومة، الى اقتحام عالم السياسة كنائية عن حزب الكرامة في المجلس الشعبي الولائي، المنابر عديدة و الرسالة واحدة عنوانها العزيمة القوية و التوق الى ترسيخ الانتماء و الفخر بمقومات الهوية الوطنية بمتغيرها الصحراوي. كل ذلك مكنها من الحصول على جائزة أحسن منتوج وطني تقليدي سنة 2012.

لا تتوانى رقية عن مخاطبة النسوة بشيء من الحزم فيما يتعلق بالاهتمام بصنعة اليد. فهذه المرأة التي ابدعت في وضع أسس تجديد صناعة السعف التي تعلمتها لشهور طويلة في قرية الشط المتاخمة لورقلة، ترى أن “مسؤولية المرأة في نقل التراث كاملة وبل و متوقفة على إرادتها الفردية التي يحسن بها تغذيتها و تنمية قدراتها و نقلها للأجيال الصاعدة”.

بمظهرها الذي يزاوج بين التقليدي الصرف و العصري الجذاب، تمثل رقية بن كريمة بحق جيلا جديدا من الحرفيات الراقيات الطموحات. في محلها بحي النصر بورقلة، تعرض الحرفية حزمة متكاملة من اثاث البيت و البراويز و انواع البساط، فضلا عن حقائب اليد و كشكول بديع من العلب و الحاويات بمختلف الأحجام كلها مصنوعة بأنامل حرفيات حاذقات يعملن في ورشتها او في بيوتهن، حسب الظروف و الطلبات في مواسم العرض المحلية و الوطنية و الدولية التي دأبت رقية على المشاركة فيها انطلاقا من ورقلة ووصولا الى دبي.

وترى رقية في حوار خصت به جنوب.كم أن “الوقت قد حان للاستثمار في مقومات الثقافة المحلية و الوطنية من اجل تنمية مداخيل الاسر من جهة وتحقيق قفزة اقتصادية محلية، قوامها توظيف كل القدرات و القوى الحية للمجتمع لتحقيق التنمية”. و صرحت لنا الحرفية بأن المهمة التي تضعها نصب عينيها هي تقديم صناعة السعف، وهي من أهم الحرف التقليدية النسوية بولاية ورقلة، “كبديل ايكولوجي حقيقي يخلص الاسر من وطأة الاستعمال المفرط للمواد البلاستيكية من جهة، وفرصة جديدة لتأكيد الانتماء المحلي الى النخلة وغابات النخيل من خلال استعمال مخلفات هذه الشجرة المباركة لتصنيع مواد صحية لها من الجمال و رونق الالوان و الاتقان و القابلية لاستعمالات الحياة العصرية، ما يجعلها بديلا حقيقيا يلجأ اليه المواطن و المرأة بالأخص.
تدعو رقية النساء الى تشجيع عائلاتهن الى استعمال قفف السعف مجددا عوض أكياس البلاستيك والعودة الى استعمال كساكيس السعف للابتعاد عن تلك المصنعة من الالومنيوم الذي ثبت تورطه في التعجيل بالإصابة بعديد السرطانات و مرض الزهايمر. كما توجه محدثتنا ندائها الى الامهات لتشجيع بناتهن على استعمال حقائب اليد العصرية من سعف النخيل و انعاش تصنيعها بتشجيع الحرفيات على البقاء في بيوتهن و التمسك بحرفة مدرة لمداخيل مهمة للأسرة فضلا عن كونها فرصة لملأ الفراغ و تحقيق الذات. الزائر لمحلها يجد المرايا و العدول و الزرابي المزركشة و صالونات الشاي الفاخرة وعديد مواد الديكور والزينة، ما يغني بالتأكيد عن المواد الصناعية الملوثة.

وفضلا عن استضافتها لتدريبات للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في ورشتها بهدف تنمية قدراتهم الحسية و الحركية و النفسية بواسطة مادة طبيعية تعود بهم الى الارض والخضرة، تحرص رقية بن كريمة على الاحاطة بملف تفعيل الاستثمار السياحي بورقلة. فقد اشرفت منذ شهور معدودة على ملتقى تحفيزي للاستثمار في السياحة الحموية نظمه المجلس الشعبي الولائي بورقلة و لم يخل الملتقى من لمسة نسوية و نظرة احترافية من صميم الممارسة التي تجعل هذه السيدة المواظبة و الحريصة على استشراف المستقبل من خلال الدفع بملف السياحة بولاية ورقلة قدما، خير من يستطيع تبني مبادرات خلاقة في هذا المجال و الاحاطة بأسباب الرقي بالسياحة بورقلة من مجرد مقومات طبيعية تعددها الدراسات الى واقع اجتماعي واقتصادي يدفع بالتنمية المتعثرة الى الامام.

اللقاء المصور لجنوب.كم مع السيدة رقية بن كريمة تم في محلها وتمحور حول حرفة السعف وواقع و افاق الصناعة التقليدية بورقلة من خلال التجربة الرائدة لهذه السيدة، تابعوه كاملا على قناتنا على اليوتوب.